حياة وسوق - نادر القصير - نجحت جمعية أصدقاء البيئة التي تتخذ من محافظة رفح مقرا لها في إقامة أول مصنع لإعادة فرز وتدوير النفايات الصلبة بكافة أشكالها واستيعاب مئات الأطنان من المتكدس منها بالمكبات والحاويات في المناطق المختلفة من المحافظة، بتفكير وتصميم فلسطيني، وبأيد عاملة محلية، وبتمويل ياباني عبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "UNDP".
وتكمن أهمية المشروع الذي أنجزت أولى مراحله وفق القائمين عليه، بالمساعدة إلى حد كبير في المحافظة على نظافة البيئة، من خلال التخلص من كميات النفايات المتكدسة في المكبات العشوائية، والذاهبة للمكب الرئيس الذي أقيم بطريقة غير علمية، وأصبح بمثابة وباء بيئي شرقي رفح، بالإضافة لخلق فرص عمل للأسر معدومة الدخل.
دعم للاقتصاد المحلي
د. سمير عفيفي رئيس جمعية أصدقاء البيئة المشرفة على المشروع يقول: "ان المشروع هو الأول من نوعه بقطاع غزة في إدارة النفايات الصلبة وفرزها وإنتاج السماد الزراعي منها، ومن انعكاساته توفير الأراضي والاستفادة من النفايات وتدويرها وتوفير فرص عمل".
وأضاف: "يشكل المشروع تجربة تستحق التطبيق والتطوير". وتابع: "المشروع الذي يعمل منذ عام تقريبا نجح في فرز آلاف الأطنان من النفايات الصلبة خاصة الزجاج والورق والبلاستيك الصلب، ولكن بعد أن قامت الجمعية المشرفة عليه بالتواصل مع المصانع المنتشرة بقطاع غزة اكتشفت عدم وجود بنية تحتية صناعية تستوعب أكثر من 5% مما يفرزه المصنع، فبرز التفكير بتصدير تلك المواد، إلا أن الحصار على قطاع غزة لا يخدم في هذا المجال حاليا".
وأوضح العفيفي ان "الجمعية وضمن خطتها الإستراتيجية لاستمرارية المشروع توصلت إلى ضرورة إلحاق مصانع للبلاستيك والورق والزجاج تستطيع استيعاب تلك الكميات" مشيرا الى ان "نجاح هذه الفكرة التي لاقت استحسانا لدى الممولين يعطي فرصة كبيرة لفتح فرص عمل جديدة ويشجع الإنتاج المحلي ويدعم الاقتصاد المحلي والصناعة المحلية بشكل كبير والنتيجة النهائية استفادة متعددة الأشكال تبدأ بفرص العمل وتصل إلى منتج بصناعة محلية وبجودة عالية وبأسعار أقل".
تقليل التلوث البيئي
من ناحيته أكد د.علب برهوم، مدير عام بلدية رفح، أن "المشروع عبارة عن فكرة علمية للتعامل مع النفايات الصلبة بطريقة صحية وبيئية آمنة". وأوضح برهوم أن "المشروع أقامته جمعية أصدقاء البيئة بالتعاون مع البلدية وبتمويل من الـ (UNDP) وأن مساحته تقدر بحوالي 8 دونمات وبكلفة تقدر بمليون دولار, ويستوعب أيادي عاملة من كلا الجنسين".
وأشار برهوم إلى أن "الهدف من المصنع هو تقليل حجم النفايات المراد التخلص منها بشكل كامل وفي نفس الوقت توفير فرص عمل جديدة، إضافة إلى الاستفادة من المواد الناتجة عن النفايات".
واعتبر ان المشروع هو أكبر تحد للحصار المفروض على قطاع غزة من خلال استغلال المواد الناتجة عن المفرزة، وإعادة توريد المواد المختلفة كالورق والبلاستيك إلى المصانع المتخصصة بذلك والعاملة بالقطاع، إضافة إلى تصدير الحديد للخارج، واستخراج السماد العضوي الصالح للزراعة، وتوفير فرص عمل.
وبين برهوم أن المشروع في الوقت الحالي يشمل محافظة رفح فقط وخلال 3 سنوات سيتضح الأمر هل سيشمل باقي المحافظات أم لا، مشيرا إلى ان آلية العمل بالمصنع تتم من خلال جمع النفايات من المنازل إلى مكان التجمع الخاص بالمشروع ، ومن ثم يتم إدخالها عبر خط فرز من محطة الاستقبال وينتهي إلى محطة الفرز اليدوي بأشكالها المختلفة.
وأوضح برهوم ان المصنع ساهم في التخلص من نحو 40 طنا من النفايات المتكدسة، والتي تذهب لمكب صوفا، والتقليل من مساحة المكب، والقضاء على المكبات العشوائية، خاصة في منطقة تل السلطان، التي كانت بمثابة كارثة بيئية للسكان القريبين منها.
وأوضح د. عفيفي ان المحطة تتعامل يوميا مع 120 طنا من النفايات التي تنتجها محافظة رفح، وهناك استمرارية للمشروع ومراحل أخرى سيتم العمل على انجازها لاستيعاب أكثر من تلك الكمية من النفايات لتخدم محافظات قطاع غزة، وذلك بتخطيط وإشراف كوادر فلسطينية.
وأشار إلى أن المحطة يمكن ان تنتج يوميا من ستة إلى عشرة أطنان سماد عضوي يستخدم في الزراعة تصل كلفة الطن 50 دولارا، وهو ربع المبلغ تقريبا المدفوع في السماد العضوي الذي يستورد من داخل الخط الخضر.
مشروع استراتيجي
وبين عفيفي ان النتائج المتوقعة من تشغيل الخط الثاني من المحطة وإلحاق بنية تحتية صناعية من خلال المواد التي سيتم فرزها، مثل الزجاج والكرتون والحديد وغيرها تسجيل علامة فارقة في الوضع الاقتصادي المحلي إذا ما تم ذلك في المستقبل القريب، مشيرا إلى أن محطة فرز النفايات وتطويرها كمشروع أثبت كفاءة كبيرة ستعمل على إطالة عمر المكب الرئيسي بالمحافظة من 10 سنوات إلى 30 سنة.
وقال: "من أهم أهداف المشروع زيادة العمر الافتراضي لمكب نفايات رفح صوفا الرئيس والذي تبلغ مساحته 40 دونما، والتقليل من التلوث البيئي الناتج عن تلك المخلفات الصلبة, من خلال المحافظة على المياه الجوفية من العصارات الناتجة عنها عن طريق منع نفاذها إلى البئر الجوفي".
وقال عفيفي إن "المشروع يسعى لتوفير فرص عمل لمعدومي الدخل خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي والبطالة المستشرية. وأضاف: "نفايات رفح تقدر بـ120 طنا يورد 30 في المئة منها إلى مكب صوفا" مشيرا إلى أنه سيتم استيعاب 250 طنا من مخلفات محافظتي رفح وخان يونس حال استكمال المشروع.
تحديات في التمويل
وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه تمويل مشاريع تخدم المواطن الفلسطيني استراتيجيا قال عفيفي: "ان الجمعيات الأهلية كانت سابقا وقبل اتفاق أوسلو تقوم بدور الحكومة، وبعد أن تشكلت السلطة الفلسطينية قرر الممولون أن يذهب التمويل للحكومة لتنفيذ المشاريع، لكن سرعان ما اكتشفوا (الممولون) ان هناك أدوارا تقوم بها المؤسسات غير الحكومية تختلف عن التي تقوم بها الحكومة، فأعادوا النظر في قضية التمويل ليطال بعض المؤسسات غير الحكومية العاملة في فلسطين". واضاف: "لكن المعضلة الحقيقية تكمن في أن إسرائيل ترفض تماما أية مشاريع ذات بعد استراتيجي وتتعلق في البنية التحتية أو الاقتصادية إذا لم تكن تستفيد منها، الأمر الذي جعل كافة المشاريع المقدمة للشعب الفلسطيني لا تخرج عن إطار الإغاثة فقط، فهناك قضايا كبيرة عالقة كمعالجة مياه الصرف الصحي وتكرير المياه العادمة، لا يمكن إيجاد تمويل حقيقي لها من قبل الممولين على الرغم من أنها تحل قضايا مصيرية تمس الحياة اليومية للمواطنين"، مشيرا إلى أن التركيز كان خلال السنوات الماضية على تطوير المكبات وتوسيعها وهذا يشكل خطرا كبيرا على الوضع البيئي لقطاع غزة في ظل تناقص الأراضي من ناحية، والتأثير الكبير لتخزين النفايات وتسرب المواد العضوية إلى المياه الجوفية التي تقر العديد من الدراسات على أنها غير صالحة للاستخدام الآدمي ومن ناحية أخرى، مبينا أن مشروع المحطة هو نتاج عمل دؤوب استمر 15 عاما ليصبح أمرا واقعا.
تقليل المخاطر البيئية للمكب
المهندس سمير النحال المدير التنفيذي للمشروع فأكد أن "المشروع كان في البداية مقسما لقسمين الأول إنشائي والثاني التشغيل، وتم الاتفاق مع البلدية لتوريد كميات القمامة التي تقوم بجمعها بمحافظة رفح". وقال: "بعد توريد النفايات للمصنع يتم فرز النفايات التي تصلح لإعادة التدوير أو إعادة التصنيع من بلاستيك وورق وزجاج وغير ذلك، وما يتبقى منها ولا يصلح للفرز وتصل نسبته بين 20 إلى 30 % من الحجم الكلي للنفايات والتي تقدر يوميا من 100 الى 120 طنا، يتم نقلها عبر سيارات البلدية إلى مكب النفايات الرئيس في صوفا".وأوضح النحال ان "هذا الأمر يقلل من مخاطر المكب على البيئة من ناحية، ويزيد من عمر المكب إلى ثلاثة أضعاف حيث تم تقليص كميات النفايات الموردة للمكب لما يقل عن 30%"، مبينا أن إدارة المصنع توفر للعاملين فيه كافة احتياطات السلامة، وتحاول قدر الإمكان الحصول على تمويل لخلق فرص عمل، مشيرا إلى أن من بين من عملوا في المشروع ما يقارب من 100 مواطنة، وهذا ضمن توجه المصنع للتخفيف أيضا من حدة البطالة المستشرية.
منقول عن الحياة الجديدة الرابط الأصلي هنا