غزة - خاص دنيا الوطن - من أمنية أبو الخير
يُعتبر العم عُون الصواف هو وبعض أفراد عائلته من أخر الأشخاص الذين يعملون في مجال صناعة البُسط والسجاد اليدوي باستخدام " النول الخشبي " .. تلك المهنة التي يعمل بها منذ أكثر من 50 عاماً، فقد وَرثها عن أبائه وأجداده وما زال يمارسها حتى اللحظة، رغم عزوف الناس عن اقتنائها وضعف مردودها المادي هذا عدا عن كِبر عمره وقلة حيلته إلا أنه ما زالت متمسكاً بها ومحاولاً منع اندثارها.
حَدثنا العم عُون عن بداية هذه المهنة في قطاع غزة، حيث كانوا يستوردون صوف الماعز والغنم أو وبر الجمال من مصر حتى عام 1967، حاصلين على تسهيلات كبيرة في زمن الرئيس المصري جمال عبد الناصر مثل رفع الضرائب والجمارك عنها كدعم لهذه المهنة وللقطاع.
وأكمل الصواف لمراسلة دنيا الوطن " كانت المهنة تمر بالكثير من المراحل فبعد إحضار الصوف من مصر نذهب به إلى ماكينة الكِرداشه لتقوم بعمله كشعر البنات، ثم نذهب به إلى الغزالات في جنوب قطاع غزة لتحوله إلى خيوط طويلة، حيث كان لكل شخص منا أكثر من ألف غزاله في الزمن الجميل، ثم نذهب به للصَباغ ليصبغه لنا بالألوان التي نريدها وينتهي بنا الطواف بالبحر لأن المياه المالحة تثبت ألوان الصبغة ثم نأتي به لنبدأ العمل على النول الخشبي".
وأوضح لنا العم عُون الصواف أن ما بعد عام 1967 بدأت مرحلة جديدة لهذه المهنة حيث توقف استيراد الصوف من مصر، وأصبح يدخل للقطاع عن طريق إسرائيل على شكل خيط مغزول ومصبوغ وجاهز لا يحتاج إلى المرور بالمراحل السابقة وهذا ما رفع عدد ممارسي هذه المهنة إلى أكثر من مائة عائلة تعمل في هذا المجال وتملك ألاف العمال، بعدما كان الأمر مقتصراً لسنوات طويلة على أربع عائلات غزية.
وبعد تنهيدة طويلة والم خفي يكاد يظهر على ملامح وجهه قال الصواف متحسراً على تلك الأيام الجميلة " الأن لا أحد يستخدم هذا السجاد والبُسط تَوجه الناس للسجاد الصناعي والمستورد رغم جمال مصنوعاتنا ودقة تفاصيلها وروعة ألوانها، أشعر بمتعه رهيبة عندما أدخل لذلك المسجد المجاور لنا وأجد سجادي الذي صنعته قبل 50 سنة وما زال حتى اليوم جميل وقوي ويُستخدم".
ورغم مشارفة هذه المهنة على الاندثار والحصار الخانق الذي يكاد يقضى على مئات المهن والحرف في قطاع غزة ما زال العم عُون يمارس مهنته بشغف وانتظام فيقول " سأظل أمارسها حتى أموت فهذه مهنتي منذ طفولتي لا أستطيع التوقف كما أنني أعتبرها جزء من التراث الفلسطيني ولا أريدها أن تتوقف بشكل نهائي".
لكن عُون الصواف، يرفض توريث أبنائه هذه الحرفة التي تعلمها من والده، فقد دفعهم لإكمال دراستهم الجامعية والبحث عن عمل، فعلى حد وصفه أن هذه المهنة لن تأتي لهم بقوت يومهم حتى هذا عدا عن كونها مهنة شاقة ولا أحد يدعمها حاليا.
ومن الجدير بالذكر أن صناعة البُسط اليدوية هي جزء من الثقافة البدوية أيضا فيطلقون عليها اسم " حرفة السدو" ويصنعون منها بيوت الشعر وما تحتاجه من فلجان وذراء وسياج وكذلك صناعة المزاود والخروج والمفارش والمساند ويدخل في هذه الحرفة حياكة الملابس و"رفي البشوت" التي هي أكثر ملابس الرجال شهرة واهمية فهو لباس عربي اصيل ويمثل أرقي انواع الازياء كونه يصنع من خيوط فاخرة وبطرق متقنة جدا
وهنا يجب أن ندق ناقوس الخطر قبل أن تندثر هذه المهنة الأصيلة التي تعتبر جزء من التراث الفلسطيني وحاملةً لعبق التاريخ وفيها قدر كبيراً من الجمال والخصوصية التي لا يسعدنا تجاهلها ... فهل من محيي أو داعم لها ؟