حياة وسوق - نادر القصر - أزمة الوقود و الكهرباء المتفاقمة بقطاع غزة أرخت بظلالها على قطاع الصناعة وأدت إلى تراجع حركة الإنتاج فيه، وأبدى عدد من أصحاب المصانع والشركات استياءهم من انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، الأمر الذي أثر على عملهم وأدى إلى توقفه بشكل كامل، مؤكدين أنه إذا ما استمرت الأزمة خلال الفترة القادمة فإنهم سيضطرون إلى تسريح أعداد كبيرة من العمال الذين يعملون في المصانع، وأوضحوا أن تفاقم الأزمة أثر على العمل بشكل سلبي، وكبدهم خسائر مالية، مؤكدين أن الأزمة مركبة وأدت إلى تراجع الإنتاج وساهمت في تغيير مواعيد تسليم المنتجات لأصحابها.
توقف مصانع الخياطة
وأكدت النقابة العامة لعمال الخياطة والغزل والنسيج في غزة توقف 100 مصنع للخياطة والغزل والنسيج عن العمل بشكل كامل جراء أزمة الوقود والكهرباء، مشيرة إلى تعطل 1000 عامل عن عملهم.
وقال رئيس النقابة محمد حمدان ان دخول كميات من الأقمشة ومستلزمات الخياطة إلى أسواق غزة عبر الأنفاق، ساهم بعودة أكثر من 100 مصنع من مصانع الخياطة إلى أعمالها وذلك من أصل نحو 900 مصنع متعطلة عن العمل منذ فرض الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة إلا أن أزمة الكهرباء حالت دون استمرار هذه المصانع.
وأوضح حمدان بأن نشاط هذه المصانع '100 مصنع' لا يتجاوز 20 % من قدرتها الإنتاجية الفعلية، منوها إلى أنها استطاعت تشغيل نحو 1000 عامل والعودة إلى أعمالهم من أصل 20 ألف عامل متعطلين منذ فرض الحصار.
وشدد حمدان على ضرورة حل أزمة الكهرباء والوقود وذلك لعودة وإنهاء الحصار الإسرائيلي لعودة الحياة إلى هذا القطاع المهم في الاقتصاد الفلسطيني.
من ناحيته، أكد أحمد عمر، وهو صاحب مصنع خياطة، أن أزمة الكهرباء والوقود في قطاع غزة انعكست سلبا على قطاع صناعة الملابس، مشيرا إلى أن المصنع يحتوي على 25 ماكنة خياطة، وهي تحتاج إلى طاقة كهربائية قوية حتى تعمل، وحتى مولدات الكهرباء في حال توفر الوقود تساهم في حل جزئي لتشغيل المصنع، ولكن الآن في ظل تفاقم أزمة الوقود أصبح من المستحيل تشغيل المصنع ما اضطر أغلبية مصانع الخياطة إلى إيقاف العمل، مبينا أن الوضع القائم يتسبب بخسائر فادحة تلحق بقطاع صناعة الملابس خاصة في ظل عدم الإيفاء بالتزاماتها تجاه العقود الموقعة مع التجار.
وأكد عمر أن أصحاب المصانع في حال استمرت الأزمة لوقت أطول سيضطرون إلى تسريح العمال وهذا سيشكل أزمة كبيرة لدى العاملين في صناعة الملابس سواء كانوا أصحاب مصانع أو عاملين فيها، وأضاف: سيؤدي توقف هذه المصانع عن العمل لفترة أطول إلى تآكل ماكينات الخياطة الأمر الذي من شأنه مضاعفة خسائر هذا القطاع والحد من إمكانية إعادة إنعاشه خاصة في ظل هجرة العديد من أصحاب المصانع إلى الدول المجاورة والخارج.
تراجع الإنتاج
أما قطاع الأثاث فيعتبر الأكثر تضررا من تفاقم أزمة الكهرباء حيث تقدر خسائره بملايين الشواقل نتيجة توقف العمل الذي يعتمد كليا على الطاقة الكهربائية، ويقول «جابر» وهو صاحب أحد مصانع الأثاث ان مصنعه صار يعمل بطاقة إنتاجية تقدر بـ15 % مقارنة بالوضع قبل الحصار، مبينا أن الوقت الذي بدأت فيه الخامات تتوفر ما بشر بعودة العمل في قطاع الأثاث حتى جاءت أزمة الكهرباء والوقود لتؤدي للتوقف الكامل لمصانع الأثاث والحاق خسائر هائلة بأصحابها وحرمانهم من الإيفاء بالتزاماتهم مع الزبائن والتجار، وهذا يتسبب بخلافات كبيرة تنشأ بين أصحاب المصانع والتجار، خاصة أن الوقود وان توفر بنسب قليلة فانه يجعل تكلفة تشغيل المصانع عالية جدا وطبعا هذه الفروق المادية بحاجة لمن يتحملها، وبالعادة تكون موضع خلاف بين أصحاب الصناعات والتجار.
مصطفى النجار، صاحب شركة المجمع الصناعي الحديثة، يقول ان انقطاع التيار الكهربائي ونقص السولار يكبده خسائر فادحة يوميا وقد أثّر على الطاقة الإنتاجية بشكل كبير، هذا بالإضافة إلى أن الشركة أصبحت غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه الشركات العاملة معها وتنفيذ المناقصات الأمر الذي يفرض على الشركة الالتزام بدفع غرامات تأخير، ويضيف النجار ان «التأثير المعنوي الناتج عن الخلاف مع تجار نتعامل معهم منذ سنوات أشد وأقسى وضعضع الثقة المتبادلة في العمل والالتزام، كما أن القدرة الإنتاجية تأثرت بشكل كبير إلى حد 60 % تقريبا ما جعل الشركة تضطر للاستغناء عن جزء من العمالة لديها بشكل مؤقت وهذا يؤثر على أرزاق العمال ويخلق خلافات على الرغم من علم العمال بطبيعة الأمور والضغوطات التي تواجهها الشركة كغيرها من شركات قطاع غزة نتيجة أزمة الكهرباء المتفاقمة ونقص الوقود».
الكهرباء مشغل أساسي
من ناحيته، أكد جابر البابلي، وهو صاحب شركة أثاث، أن الكهرباء عامل أساسي في تشغيل الشركات الصناعية وانقطاعها يعني توقف العمل فيها، مشيرا الى ان العمل في شركته يعتمد حاليا على المولدات، التي قال انها لا تفي بالغرض المطلوب لأنها لا تلبي حاجة العمل، فتصنيع الأثاث يعتمد على الطاقة الكهربائية بقوة «3 فاز» وليست كتلك التي تحتاجها المنازل.
وأضاف البابلي ان توقف الصناعات المحلية نتيجة تفاقم الأزمة سيوقع خسائر كبيرة بأصحاب المصانع وسيفتح المجال أمام سوق المستورد بشكل كبير ما يؤدي إلى نفس النتيجة التي حصد سلبياتها قطاع الصناعة جراء الحصار المتواصل على قطاع غزة منذ سنوات عندما كانت المواد الخام شحيحة بالإضافة إلى تأثيراتها على قطاع العمال والمشغلين لتلك المصانع الذين خسروا لقمة عيشهم بحكم توقف العمل في المصانع واضطرار بعض أصحابها لتسريح جزء منهم أو جميعهم في كثير من الأحيان.
المخابز في أزمة
ولم تقف الأزمة عند حد المنتجات الصناعية فقط بل تعدتها إلى مخابز القطاع التي باتت تعاني من عدم القدرة على الإيفاء بمتطلبات المواطنين بسبب الازدحام المتزايد على أبوابها، ويقول حمدي الشاعر، وهو صاحب مخبز برفح: «أصبحنا نعمل نصف يوم أي بنسبة 50 % من قدرتنا الإنتاجية يوميا، وأغلب عملنا يعتمد على الطاقة الكهربائية والبديل عنها مفقود نتيجة نقص السولار»، مشيرا إلى أن المخابز تعاني أزمة خانقة نتيجة استخدامها السولار الذي يجعل تكلفة العمل في المخابز أكبر، رغم انها مضطرة للالتزام بالأسعار والأوزان المعروفة لدى المواطنين، وبالتالي تتحمل المخابز الفرق في الأسعار وينتج عن ذلك نقص في وربما غياب الأرباح.
وأكد الشاعر ان استهلاك المواطنين زاد في الفترة الماضية لعدم تمكنهم من صناعة الخبز في منازلهم نظرا لانقطاع التيار الكهربائي، لافتا إلى أن قطاعا كبيرا من المجتمع يعتمد على الخبز الجاهز ما فاقم الأزمة التي تعاني منها المخابز والمواطنون على حد سواء.
وأضاف الشاعر ان أزمة الوقود حدت من قدرة المخابز على التوزيع نتيجة توقف سيارات النقل التي تؤمن وسيلة المواصلات مع التجار والمحلات التجارية لتخفيف الأزمة والازدحام على أبواب المخابز، وهذا خلق أزمة جديدة لأصحاب المخابز لأن قدرتهم الإنتاجية لا تلبي احتياجات المواطنين وتوقعهم في الإحراج وقد يخسرون زبائنهم المعتادين على ارتياد المخبز يوميا لعدم قدرة المخبز على تأمين ما يحتاجونه وكل ذلك يؤثر سلبا على نسبة الأرباح ويوقع أصحاب المخابز في خسائر فادحة، محذرا من استمرار تفاقم أزمة الكهرباء ونقص السولار يشكل خطرا على عمل المخابز وقد يضطر بعضها لإغلاق أبوابها أمام المواطنين في مرحلة من المراحل.
القطاع الصناعي مهدد بالانهيار
وفي تعليق له على وضع القطاع الصناعي في ظل الأزمة القائمة أكد الخبير الاقتصادي د. عدنان أبو حسين انه في ظل التفاقم المتزايد لأزمة الكهرباء في قطاع غزة والنقص الحاد للوقود يصبح قطاع الصناعة مهددا بالانهيار، والعمالة مهددة أيضا بالتسريح من أعمالها في تلك الصناعات ما يجعل النتيجة الطبيعة لذلك هي أن الآلاف منهم مقبلون على الانضمام لقوائم البطالة في قطاع غزة، ما يفتح المجال على مصراعيه لسوق المستورد وهو شحيح في ظل الحركة البطيئة للمعابر، وبالتالي عودة الأسعار للارتفاع مرة أخرى، وكل ذلك سيعود سلبا على المواطن وسيساهم في ارتفاع مستوى المعيشة نتيجة الغلاء المتراكم والذي يقع يدفع ثمنه المواطن الغزي في المقام الأول.
المصدر الحياة الجديدة: http://www.alhayat-j.com/newsite/details.php?opt=7&id=166121&cid=2531
الصورة : صورة تعبيرية