كان أعظم مظاهر الثورة الصناعية إدخال الآلة ذات المحرك في صناعات النسيج في إنجلترا وأسكتلندا. وقد حدث هذا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي، وأصبح علامة بارزة لبداية عصر المصنع الحديث. وقبل ذلك، كان التجار يشترون المواد الخام ويوّزعونها على العمال الذين يعيشون في أكواخ داخل المزارع أو في القرى. وكان بعض هؤلاء العمال يغزلون ألياف النبات مع الألياف الحيوانية. وآخرون ينسجون الغزل قماشًا. وعرف هذا النظام بالصناعة المحلية أو الصناعة المنزلية.
وفي ظل النظام المنزلي،كان التجار يشترون أكبر كمية من المواد ويستخدمون أكبر عدد يحتاجونه من العمال. ويمولون العمليّة بالكامل، وبعضهم يمتلك معدات الغزل والنسيج وأكواخ العمال. ومع ذلك، تمتع العمال بدرجة كبيرة من الاستقلال. واختاروا أسلوب العمل الذي يروق لهم. وفي بعض الأحيان استعانوا بمن يساعدهم، كما كان لديهم العمال المبتدئون. وغالباً ما قبلوا العمل لدى تجار عديدين في وقت واحد.
أفرز نظام الصناعة المنزلية العديد من المشكلات للتجار؛ فوجدوا صعوبة في تنظيم مقاييس الصَّنْعة والمحافظة على جداول زمنية لإكمال العمل. ومع ازدياد الطلب على القماش، تعيّن على التجار منافسة بعضهم بعضًا في أغلب الأحيان على العدد المتوافر المحدود من العمال في منطقة ما. وأدت كل هذه المشاكل إلى الزيادة في النفقات. ولهذا لجأ التجار وبصورة متزايدة إلى الآلية من أجل إنتاج أوفر، وإلى المصانع من أجل سيطرة مركزية أكبر على العمال.
بدأت الزراعة، وكذلك الصناعة الريفية، تتأثران بالتغيرات التي أحدثها تصنيع إنتاج النسيج. ومن أجل مقابلة الطلب المتزايد على المنسوجات والمنتجات الأخرى؛ بدأ ملاك الأرض بزراعة المواد الخام في أراضيهم مفضِّلين ذلك على زراعة الغذاء. ونُظِّمت المزارع طبقًا لأساليب صناعية، فزاد رأس المال المُستَثْمَر في الزراعة، وتحسنت مستويات الإدارة، كذلك تحسنت نوعية الماشية وبذور المحاصيل تحسناً كبيراً.
آلات الغزل. قبل الثورة الصناعية مورس الغَزْل في المنزل على دولاب الغَزْل. ويتم تشغيل دولاب الغزْل بدفع دواسة القدم. وكان دولاب الغزل ينتج خيطًا واحدًا فقط في المرة الواحدة.
كانت آلات الغزل الأولى أدوات بدائية غالبًا ما تقطع الخيوط الرقيقة. وفي عام 1738م، سجل لويس بول، وهو مخترع من منطقة ميدلسيكس، وجون وايات، وهو ميكانيكي من ليشْفيْلْدْ براءة اختراع لآلة غزل دَوَّارة مطورة تقوم بجذب جدائل المادة خلال مجموعة من البكرات الخشبية المتحركة بسرعات مختلفة، مما يجعل بعضًا من الجدائل مشدودًا أكثر من الآخر. وتصبح الجدائل المشدودة، عندما تُضَم، أقوى من مثيلاتها ذات الشد المتماثل. وتمر الجدائل المُتَضامَّة فوق الطيَّار، (الجزء من الآلة الذي يفتل الجدائل في غزل). ويُلَفُّ الغزل المنجز على مكوك يدور على عمود. ولم تكن آلة الغزل الدوارة ناجحة تمامًا، مع أنها الخطوة الأولى في تصنيع صناعة النسيج.
وفي الستينيات من القرن الثامن عشر الميلادي، أحدث اختراع آلتين ثورة في صناعة النسيج. كانت إحداهما دولاب الغزل الذي اخترعه جِيمس هارجريفز، وهو غَزَّال ونجَّار من بلاكبيرن، والآلة الأخرى هي دولاب الغزل الهيكلي أو آلة الغزل القديمة التي اخترعها السير ريتشارد أركرايت، من برستون. وقد حلَّت كلتا الآلتين العديد من مشاكل الغزل الدوَّار، خاصة في مجال إنتاج الغزل المُستخدم في صناعة القماش الخشن.
وفيما بين عامي 1774 و 1779م، اخترع نسَّاج من لانكشاير يدعى صمويل كرومتون الميول وهي آلة للغزل تجمع بين سمات المغزلة الآلية ودولاب الغزل الهيكلي، وفي الوقت المناسب حلَّت محلهما. وهذه الآلة ذات فعالية بصفة خاصة في نسج الغزل الناعم للقماش ذي النوعية العالية، المستورد من الهند. وخلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الثامن عشر الميلادي، تم تصنيع أحجام أكبر من هذه الآلة، ذات بكرات معدنية، ومئات من الأعمدة. وأنهت هذه الآلات صناعة الغَزْل المنزلي. الغزل.
ظهر أول مصنع للنسيج في بريطانيا في الأربعينيات من القرن الثامن عشر الميلادي. وبحلول التسعينيات من القرن الثامن عشر، صار بإنجلترا 120 مصنعًا للنسيج، كما تم إنشاء العديد من المصانع في أسكتلندا.
آلات النسيج. حتى بدايات القرن التاسع عشر الميلادي، كان كل النسيج تقريبًا يُنجز على الأنوال اليدوية، إذ إنه لم يتقدم أحد ليحل مشاكل النسيج الآلية. وفي عام 1733م، قام جون كاي، صانع ساعات الحائط من لانكشاير باختراع آلة تحريك مكوك النول. وقامت هذه الآلة بكل الحركات التي يتطلبها النَّسج، لكنها غالبًا لم تؤد عملها في عملية النسج بإتقان تام.
وفي منتصف الثمانينيات من القرن الثامن عشر الميلادي، قام قسّ يُدعى إدموند كارترايت باختراع نول يعمل بالطاقة البخارية. وفي سنة 1803م، قام جون هُروكس، وهو صانع آلات من لانكشاير، بصناعة نول من المعدن بالكامل. وقام صانعو آلات بريطانيون آخرون بعمل تحسينات إضافية في النول البخاري خلال بدايات القرن التاسع عشر. وبحلول عام 1835 م، كان في بريطانيا 120,000 نول بخاري، استخدم معظمها لنسج القطن. وبعد منتصف القرن التاسع عشر، صارت الأنوال اليدوية تستخدم فقط لصناعة القماش ذي الأشكال الزخرفية والذي استحالت صناعتُه حتى ذلك الوقت على أنوال ذات محرك آلي. انظر : النسج.